vendredi 15 avril 2011

مفهوم المؤسسة التربوية عند دوركايم

ويرى دوركايم وهو من أبرز علماء الاتجاه الوظيفي أن المجتمع يستطيع البقاء فقط إذا وجد بين أعضائه درجة من التجانس والتكامل والنظام التربوي في المجتمع متمثلاً في المدرسة يعد أحد الركائز المهمة في دعم واستقرار مثل هذا التجانس وذلك بغرسه في الطفل منذ البداية الأولى للمدرسة قيم ومعايير المجتمع الضرورية لإحداث عملية التكامل الاجتماعي داخل البناء الاجتماعي ويرى دوركايم أن مهمة النظام التربوي في المجتمع هي دمج الأفراد في المجتمع وهو ما يطلق عليه دوركايم مفهوم التضامن الاجتماعي وحسب مفهوم دوركايم للتضامن الاجتماعي فإنه من خلال [ص-10] العملية التربوية فإن أفراد المجتمع يتشربون القيم الاجتماعية الإيجابية التي تغرس في نفوسهم قيم الانتماء الوطني ومشاعر الوحدة الوطنية التي تخلق التماثل الاجتماعي الضروري للمحافظة على بقاء الأمن والاستقرار في المجتمع.



أن دوركهايم كان الأكثر تأثيرا باتجاهه الإصلاحي الإنساني حيث يحدد موقفه من التربية على أنها شيء اجتماعي chose sociale.يعني أنها تضع الطفل في وضع مباشر مع مجتمع محدد، وأنها تطبيع اجتماعي Socialisation ويضيف Durkheim في تفسيره لماهية التربية فيقول : التربية هي الفعل الممارس من طرف الجيل البالغ على الأجيال التي لم تتأهل بعد للحياة الاجتماعية وهدفها أن تنمي في حالاته الفيزيائية والثقافية والذهنية التي يحتاجها هو والمجتمع السياسي في مجمله والمجال الاجتماعي الذي ينتمي إليه. والتطييع الاجتماعي الذي يتحدث عنه Durkheim هو تلك الآلية التي يتم من خلالها دمج الناشئة ضمن نسيج نمط حياة سائد في المجتمع.وفق متطلبات كل نمط وتوافقاته العلائقية والمعرفية. والتطبيع الاجتماعي عملية ثنائية الجانب :
- استيعاب الناشئة للتجربة الاجتماعية بالدخول في البيئة الاجتماعية. في نظام العلاقات الاجتماعية.
- عملية تجديد انتاج نظام العلاقات الاجتماعية من طرف الناشئة.
ويؤكد Durkheim على دور الدولة في الإاشراف على التربية باعتبارها الساهرة  على تسيير المؤسسات التربوية لخلق ذلك الانسان المطلوب والمرغوب فيه اجتماعيا. ولذا يرى Durkheim أن هدف التربية تحقيق الإنسان لا كما خلقته الطبيعة. وإنما هو الإنسان كما يريد المجتمع أن يكون ولذلك فهو يقول : في كل منا يوجد كائنان لا يمكن الفصل بينهما  إلا على نحو تجريدي، أحدهما نتاج كل الحالات الدهنية الخاصة بنا وبحياتنا الشخصية وهو مانطلق عليه الكائن الفردي، أما الكائن الآخر فهو نظام من الافكار والمشاعر والعادات التي لا تعبر عن شخصيتنا بل عن شخصية الجماعة والمجتمع الذي ننتمي إليه كالعقائد الدينية والممارسات الأخلاقية والتقاليد القومية والمشاعر الجمعية من أي نوع، وهي تشكل في مجموعها الكائن الاجتماعي الآخر. وبناء مثل هذا الكائن الاجتماعي يمثل في نهاية المطاف هذف التربية وغايتها وهناك اتجاه آخر في التربية وهو اتجاه اقتصادي في التربية ويعني الاستثمار في التربية حيث لجأت بعض المجتمعات إلى جعل التربية في خدمة الاقتصادي وهو ما أفقد التربية قيمتها الثقافية والانسانية وجعلها ماكينة لإتناج روبوات جاهزة لسوق الشغل.بعيدا كل البعد عن المعايير الاخلاقية التي تنبني عليها التربية بل يركز هذا الاتجاه فقط في تلبية حاجيات السوق.مما جعل التربية في مفترق الطرق بين اقتصاد السوق والتنشئة الاجتماعية إلا أن قصور الاتجاه الأول إن لم نقل فشله. لدوره المحافظ. وكذا احادية التأثير التي دعا إليها. وهذه الاحادية تتمثل بتوجيه عملية التطبيع الاجتماعي العلائقي من المجتمع إلى الفرد فقط. وأيضا فشل الاتجاه الثاني تربويا. أدى إلى ابراز أهمية اتجاه آخر  احتل مكانة مرموقة في تاريخ سوسيولوجيا التربية وهو الاتجاه النقدي الذي يمـثـلـه رائـــــداه J. c. Passeron و  P. Bourdieu حيث يؤكد ذلك  François Dubet بقوله : فرضت سوسيولوجيا التربية كما عرضها Bourdieu و  Passeron في كتابهما الورثة Les héritiers نفسها كأنمودج Paradigme فعلي، أنها نظرية  كلية يتحدد اتجاهها كل واحد مؤيدا كان أم معارضا لها وينبغي فعلا أن نعترف بأن جل علماء الاجتماع كانوا ولمدة طويلة مؤيدين لهذه النظرية. معتبرين أعمالهم إما كامتداد أو كتوضيح لها، كما هي معروضة في كتاب إعادة الانتاج La reproduction إنها قلب نـقـدي للمـفاهــيـم الكـلاسـيـكـيـة عـــن الــمدرسة والتربية
إنها نظرية من القوة بمكان، بحيث لم تعوض بأية نظرية آخرى في مثل صلابتها  وتماسكها ورحابتها،  وكل عالم اجتماع التربية، وهو يمر عبر هذه النظرية يستفيد منها ويقارن داته اتجاهها. إذ لاوجود بالفعل لنظرية آخرى هي في الآن نفسه، نطرية عن المدرسة، ونظرية عن الحركية الاجتماعية Mobilité sociale ، ونظرية عن المجتمع ونظرية عن الفعل، لقد انطلق الباحثان من مفاهيم ماركسية كمفهوم صراع الطبقات واعادة الانتاج والاستغلال، حيث تمت دراسة التعليم ودوره في الاقتصاد والانتقاء والتهميش للطبقات الدنيا... إلاأن  المشهود لهم هو اثارتهم لمواضيع مهمة ومعقدة ومسكوت عنها باستفادتهم من الإرث الماركسي للكشف عن أسرار الظاهرة التربوية بمختلف جوانبها. واعتمدوا حصائيات ميدانية عن علاقة المدرسة بالوضع الاجتماعي وكان كتابهم الورثة زاخرا بالاحصائيات والنتائج عن ولوج الطلبة للمعاهد والجامعات. إن أساس الارث الثقافي ينتقل بطريقة غير مكشوفة  وغير مباشرة وفي غياب أي مجهود منهجي أو أي  فعل ممارس.وهو دليل على التفاوتات المعرفية بين الطلبة المنحدرين من عائلات ميسورة وأولئك الذين ينتمون إلى طبقات مهمشة، ويضيفا، أن الاختلاف  الذي يفصل بين الطلبة في ميدان الثقافة الحرة يعود دوما إلى مواهب أو تفاوتات طبقية وبذالك يرون على أن الفوارق الاجتماعية والطبقية ترجع أساسا لعدم وجود تكافؤ فرص ولوج المدرسة، ويواكبان فيما بعد خيبات الأمل الناتجة عن ظاهرة تعميم التعليم على مختلف الشرائح الاجتماعية، ولكن لاسبيل كما يرى الباحثان من الدرسة باعتبارها الطريق الوحيد بالنسبة لابناء الطبقة المهمشة لولوج عالم المعرفة، وفي الآخير المدرسة لا يمكنها إلا أن تضمن وترسخ بقوة واقعا طبقيا.

jeudi 7 avril 2011

الهامشيّون والمهمّشون

هناك التباس كبير في المفهوم الذي تعبّر عنه كلمة "الهامشيّة"، لأنّه مفهوم معرّف بصفات مختلفة طبقا للمعارف المختلفة المهتمة به، وطبقا للانتماء الشّخصيّ لمن يعرّفه أو للذّات العارفة. هناك تعريفات أساسيّة متّفق عليها، وهي تكاد تكون تعريفات لغويّة معجميّة. أين يوجد الهامش؟ يوجدخارج المركز، فمقابل الهامش هناك المركز. ففكرة الهامش بلا مركز لا معنى لها، أي أنّ المهمّش لا يمكن أن يكون مهمّشا في حدّ ذاته، بل بالنّسبة إلى حالة أو وضع مركزيّ. يمكن أن نتحدّث عن قرية أو منطقة أو بلد مهمّش مثلا. ويمكن أن نتحدّث عن فئات مهمّشة في مكان محدّد. وتهميش المكان قد يرتبط بتهميش فئات اجتماعيّة، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى الأحياء أو الشّوارع الفقيرة، أو الشّوارع التي نجد فيها أنشطة يرفضها المجتمع.

وفي هذا الصّدد يمكن أن نأخذ مثالا معروفا اشتغل عليه بعض الكتّاب العربمثل المؤرّخ التّونسيّ عبد الحميد الأرقش : الشّوارع التي توجد فيها أنشطة تتعلّق بالجنس تتحوّل إلى شوارع منبوذة، وإذن مهمّشة، لأنّ الممارسة غير مقبولة. ليست هذه الشّوارع أفقر من غيرها، بل إنّ الممارسة فيها غير "عاديّة". إذن هناك حدّان فاصلان بين المهمّش وغير المهمّش : حدّ فاصل جغرافيّ مكانيّ، وحدّ فاصل آخر يعرّف معياريّا. إذا قررّ المجتمع معايير معيّنة، فإنّ كلّ من لا يطبّقها يوصمونstigmatisation بأنّ ممارساتهم غير عاديّة.

وهناك حدّ فاصل ثالث يرتبط بالأصل، الأصل الفضائيّ أو القبليّ أو الدّينيّ أو الإثنيّ… المثال الأكثر شهرة هو حالة "المنبوذين" في الهند. هذه الهامشيّة لا تتعلّق في حدّ ذاتها بالفقر أو الغنى، لكنّها قد تكون منتجة لفقر جماعيّ. أحد الرّؤساء السّابقين في الهند مثلا كان ينتمي إلى صنف المنبوذين. مثال هذا الرّئيس الهنديّ ومثال الرّئيس الأمريكيّ أوباما، 
يبيّنان أنّ التّهميش الجماعيّ المرتبط بعدم الوصول إلى الموارد لا يستثني وصول بعض الأفراد من المجموعات المهمّشة إلى وضعيّات مميّزة، رغم أنّ هؤلاءالأفراد ينحدرون من المجموعات المهمّشة. فالهامشيّة يمكن أن توفّر لبعض الأفراد فرص نجاح قد لا تتحقّق لهم خارج هذه المجموعة المهمّشة. وهذا ما يجعل المفهوم أكثر تعقّدا.

الحدّ الفاصل الرّابع هو التّهميش على أساس اجتماعيّ اقتصاديّ. وهذا الحدّ مرتبط مباشرة بوصول أو عدم وصول الأفراد أو المجموعات إلى الموارد الاقتصاديّة، وهنا تظهر فئات العاطلين عن العمل، وكلّ من لا يصلون إلى الموارد : أي التّعليم والصّحّة والسّكن، والأرض للفلاّحين ومياه الشّرب إلخ. وهذه هي الفئة الهامشيّة الوحيدة التي يمكن إخضاعها إلى مقولة الكمّ، وقيسها، مع هامش خطإ محدود نسبيّا.

 
ألا تخضع فئات مهمّشةأخرى إلى القياس، كالعاملات الجنسيّات مثلا؟

لا، لحسن الحظّ. لا يمكن أن نحصي الأشخاص الذّكور أو الإناث الذين يتعاطون ممارسات يمكن نعتبرها عادة داخلة في باب "البغاء". لا سيّما أن النّساء اللاتي يتعاطين هذا العمل هنّ وحدهنّ من يعتبرن عاملات جنسيّات. يوجد رجال يتعاطون هذه الممارسة، لكن كلمة "مومس" لا تنطبق إلا على النّساء. عندما تتعاطى امرأة البغاء، فإنّ "الشّرف" الشّخصيّ أو العائليّ يؤذى، وعندما يتعاطى الرّجل البغاء، فإن الفكرة تعني انهيار المجتمع بأكملهحسب التّصوّر الّسائد. وإذا وسّعنا من مفهوم البغاء، فقد نفاجأ بأنّ الرّجال أكثر تعاطيا له. يمكن مثلا للرّجل أن يمارس الجنس مع امرأة من أجل تحقيق مصلحة. لكنّ هذا الرّجل لا يعتبر "مومسا"، بل "شاطرا" (حاذقا). أمّا المرأة التي تفعل هذا فقد تعدّ مومسا. وهنا نضع أيدينا على الحدّ بين المهمّش وغير المهمّش : إنّه المعيار الأخلاقيّ.
هل ترى أنّ النّزعة الذّكوريّة معطى أساسيّ في شتّى أنواع الهامشيّات؟

بكلّ بساطة، المرأة من حيث هي امرأة، مهمّشة، مع تفاوت في الدّرجة. عندما يوجد رجل مهمّش، فإنّ زوجته غالبا ما تكون أكثر هامشيّة منه. ومرّة أخرى، من يعرّف المعيار والحدّ، أي من يميّز بين المهمّش وغير المهمّش : المجتمع أو الخبير، أو العالم أو المثقّف، أو الذي يملك السّلطة أو سلطة المعرفة. نتحدّث عن حدّ، وعن فضاء محدّد وعتبات، ونسب بطالة، ونسبة إدمان… وهذا هو عمل الخبير. إذن بصفة لاإرادية بالتّأكيد، الخبير هو الذي يقوم بتقسيم المجموعات إلى هامشية وغير هامشيّة. من حيث ممارسة السّلطة فإنّ تعريفنا للعتبة، يتمّ لأسباب سياسيّة مفروضة. مثال ذلك : عدم احتساب النّساء في نسب البطالة، فإن هذا يحدّ من نسبة العاطلين. الخبير هو الذي يصنع الموضوع والسّياسيّ يستعمل منهجه العلميّ على طريقته. عدم احتساب النّساء في البطالة يظهر نتائج جيّدة. فالهامشيّة دائما نسبيّة، لأنّها 
ترتبط بمن يعرّفها. وتبعا لذلك فإنّ ما يخضع إلى القياس هو نفسه غير دقيق. 
لأنّ كلّ واحد سيختار مؤشّرات معيّنة للحديث عن الظّواهر. بعد ذلك إذا أردنا التّعمّق في مفهوم الهامشية نجد من نعتبرهم مهمّشين لأنّ الخبراء اعتبروهم كذلك، أو لأنّ المجتمعات اعتبرتهم كذلك، طبقا لتعريف المعيار والقاعدة.
 

 ما مدى وجاهة التّمييز بين الهامشيّات الإراديّة وغير الإراديّة؟

قد أعرّف نفسي باعتباري مهمّشا عندما أقول لك إنّني فقير. إنّ تعريفي الخاصّ للفقر هو الذي أضعه عتبة للفقر. ولكن يمكن أن أقول لك إنّني مهمّش في مجموعتي أو مجتمعي لأنّي كافر أو لأنني مثليّ. في حالة الفقر، أقدم نفسيمهمّشا لطلب شيء، أو عمل، أو مساعدة. في الحالة الثّانية، أقدّم نفسي مهمّشا لأتبنّى اختيارا شخصيّا. تبنّي الهامشيّة كخيار شخصيّ يجعلني أضع نفسي خارج المجتمع من تلقاء نفسي. خرجت على القاعدة، أو المعيار. أرفض معياركم. أرفض ممارساتكم الجنسيّة التّقليديّة، أرفض ممارستكم في اللّباس، لست مثلكم وأتحمّل مسؤوليّتي. لا أختار أن أكون مهمّشا لكنّني أختار طريقة حياتي، وأعي بانّ هذه الخيارات تضعني في وضعيّة مهمّش، وأتحمّل تبعات هذا.

هذه الهامشيّة بالذّات يمكن أن تكون منتجة، بل هي فعلا منتجة. هي التي تجعل المعايير تتحرّك وتتغيّر. وعندي مثال دقيق : امرأة تونسيّة يفترض أنّها مسلمة، تتزوّج غير مسلم. منذ خمسين عاما، مثل هذه الفتاة كانت تتعرّضإلى إقصاء حقيقيّ تتفاوت درجاته بحسب الطّبقات. اليوم هذا الأمر ليس مقبولا، لكنّ التّهميش أصبح أقلّ خطورة. الحديث عن المواضيع الممنوعة بصفة عامّة يمكن أن يطوّر المعايير. أنا أقبل اليوم من أبنائي ما لم يكن والداي يقبلانه منّي، لأننّي وضعت نفسي في وضعيّة هامشيّة بالنّسبة إلى معايير والديّ. وهذا يبيّن ديناميكيّة الهامشيّة.

المهمّ في هذا النّقاش هو التّهميش أو التّهمش وليس الهامشيّة نفسها، أيالمسارات المفروضة أو الإراديّة. وموقفنا يجب أن يبنى على هذا الأساس. كفرد أو كمواطن أو فاعل أتصرّف مع من يتبنّون هامشيتهم، أو يهمّشون عن اختيار، عندما أبتدئ بقبول اختيارهم، فلا أحكم عليه، ولا أدينه.

لكنّ كلّ شخص منّا يمكن أن يختار الهامشيّة في نقطة، فيرفض القاعدة والمعيار، ويقبل الوصم، لأنّ الأمر يتعلّق باختيار. وكلّ واحد منّا لا بدّ أن يختار الهامشيّة على الأقلّ في لحظة من لحظات حياته، وفي نقطة معيّنة. من لم يشعل سيجارة في شهر رمضان في الشّارع أو لم يفكّر في ذلك، مثلا؟

دور الباحث انطلاقا من العلوم الاجتماعيّة، حسب رأيي، يجب أن يقتصر على معرفة المعايير وفهم مسارات التّهميش، وليس إنتاج المعايير. ولا يتعلّق الأمر أيضا بإنتاج التهميش.
هل يتعارض الموقف الحياديّ للباحث مع مفهوم "المعرفة الملتزمة" عند بورديو؟

التزامي بصفتي جغرافيّا يجب أن لا يتمثّل في الشّفقة على هذه المجموعة أو الأخرى، بل يجب أن يتمثّل في تكسير مسارات التّهميش، ولا يمكن أن أكسرهاإذا لم أكتشفها. لا بدّ من الفهم. الفقر يتمّ إنتاجه، ككلّ المنتوجات، ومايهمّني ليس الفقر في حدّ ذاته، بل كيفيّات إنتاجه. وهنا تظهر الحاجة إلى فهم آلية التهميش، وهي تلتقي بالمعرفة الملتزمة. الخبراء يميلون إلى تصنيف المجتمع إلى مجموعات منها المهمّشون، لأنّ ما يهمّهم هو مردوديّة التّعريف.يريدون مثلا أن يعرفوا المومسات وعددهنّ حتّى توزّع عليهم السّلطات أو الجمعيّات وسائل الحماية الصّحّية. وتعريفات الخبراء للفقر قد تكون شكلانيّة أو غير دقيقة. فإذا كان الفقير هو من يقلّ دخله عن دولارين في اليوم، فإنّ هذين الدّولارين ليست لهما نفس القيمة بين إريتريا و واشنطن.
كيف تعرّف الخبير، وكيف تميّز بينه وبين الباحث؟

الخبير ينتج تعريفات وعتبات بهدف التّدخّل العاجل، سواء كان هذا  التّدخّل سلبيّا أم إيجابيّا. أمّا هدف العلوم الاجتماعية فهو ليس التّدخّل المباشر، بل التّدخّل عبر الدّيمومة، مع محاولة فهم المسارات التي أوصلت إلى النّتائج. في غالب الأحيان هناك تكامل بين الخبير والباحث. الخبير لا بدّ أن يتّخذ قرارا لتعريف عتبة الفقر وإلا فإنه لن يستطيع العمل. لكنّ هذا القرار لا يدخل في باب العلوم الاجتماعيّة، أو في باب المعرفة الملتزمة.

 
كيف يتمّ إقصاء المهمّشين، وهل يمكن تصنيفهم على أساس طرق الإقصاء؟

هناك هامشّيات مدمّرة مرتبطة بشكل من أشكال الإقصاء، وهناك هامشيّات يمكن أن تكون منتجة في اتّجاه تغيير المعايير.
الفقر من أكثر الهامشيّات خطورة. إنّه يتمثّل في منع شريحة من المجتمع من الوصول إلى الموارد أو إلى موارد حياتيّة معيّنة. وهذا التّهميش متعمّد.

أوّل صيغة من صيغ الإقصاء هو الوصمة. إنّها تنبع من حكم القيمة المسلّط على المهمّشين : لا آكل مع فلان لأنّه فقير، ابنتي لا تتزوّج فلان لأنّه أسود، أو لأنّه يهوديّ، ابني لا يتزوّج من مومس… نحن إذن إزاء حكم يؤدّي إلى إقصاء أفراد لأنهم جزء من مجموعات معيّنة، ولأنّ هذه الفئات تعتبر قاصرة عن الرّقيّ إلى مستوى المسلّط للحكم المعياريّ وللوصمة. وهناك طبعا اختزال للفرد في الجماعيّ. فمجموعة السّود تمثّل حسب هذا التّصوّر كتلة واحدة. يمكن أن يكون أوباما رئيسا، لكنّه أسود. وهنا يمكن أن نتحدّث عن عنصريّة، أو طبقية.

الممارسة الثّانية المتعلّقة بالإقصاء هي مسارات التّهميش. ومن المهمّ بالنّسبة إلى الفاعلين معرفة كيفيّة اشتغال مسارات التهميش : كيف نصبح فقراء، أو مدمنين، أو بلا مسكن قارّ، أو عاملين جنسيين، أو امرأة عزباء بلاسكن قارّ، وكيف يمكن أن ندخل السّجن..؟

هل يمكن أن تقدّم لنا بسطة عن الأبحاث المنجزة في موضوع التّهميش في العالمالعربيّ : هل هي نظريّة أم ميدانيّة؟ ما مجالاتها؟ هل ترتبط بالأبحاث الاجتماعيّة النّظريّة أم بالتّنمية؟


الهامشية الاجتماعيّة والاقتصاديّة هي التي تلقى اهتماما في العالم العربيّ، لعدّة أسباب. أقصد بذلك الأعمال التي تتناول الفقر خاصّة. (العمل،البطالة، والوصول إلى الموارد بشكل عامّ). نحن نحتاج طبعا إلى هذه الدّراسات، لكن المشكل الأول هو أنّ أغلب هذه الدّراسات يكتفي بوصف وضعيّة هذه الفئات أو تلك. ولا يهتمّ بالمسارات المتسبّبة في التّهميش. وهذه الأبحاث تلتبس بتقارير أو دراسات الخبراء إلى حدّ أننا لا نعرف أحيانا من هو الخبير ومن هو الباحث، وهذا مرتبط بتمويل الأبحاث. نحن في بلدان لا تهتمّ بالبحث الاجتماعيّ، فمثل هذه الأبحاث تخيف الأنظمة. عندما نفهم كيف يتمّ إنتاج مسارات الفقر أو التهميش فنحن نفكّك الخطاب الرّسميّ ونكذّبه، وهذا محرّم. لا يحقّ لنا معرفة مسارات التهميش في مجتمعاتنا. لأنه يوجد دائما مسؤول في مسارات التّهميش وهذا المسؤول يجب أن لا يحدّد.

هناك هيئات دوليّة هي التي تموّل الأبحاث الاجتماعيّة في الغالب. هذه الهيئات هي التي توفّر، مشكورة، تمويلا لأبحاث حقيقية، لكنّ محاولاتها تبقىمحدودة. لا يمكن أن نموّل أبحاثا مستقلة بتمويل خارجيّ فقط، ولا أقول هذا لأنني أرفض هذا التّمويل الأجنبي في حدّ ذاته، بل لأنّ الأبحاث الاجتماعيّة يجب أن تكون أولويّة داخليّة في كلّ دولة.

المشكل الثّاني يعود إلى المحرّمات. فهناك دراسات لا يمكن القيام بها ولا يمكن نشرها في البلدان العربيّة. سرعان ما يتّهمونك بتشويه صورة البلد أو إدخال أفكار مدمّرة أو نشر أفكار تمسّ بالثّوابت وبالمعلوم من الدّين بالضّرورة. أحسن مثال في هذا الموضوع الأبحاث التي تريد دراسة وضع السّود في بعض البلدان العربيّة .

بين محرّم الدّولة أو قلّة الإمكانيات يبقى البحث الاجتماعيّ مهمّشا. أويقوم به باحثون أجانب، وهذا جيّد، لحسن الحظ. هؤلاء لهم إمكانيات وليست لهم محرّمات. لكن هذه الأبحاث غير منشورة بالعربية عادة. فالمنظمات الدوليةتشترط في الغالب استعمال لغة غير العربية للنشر. ونشر كتاب في مثل هذه المواضيع أيسر في أي دولة أوروبية منه في أي دولة عربية.

الهامشيّة


الحبيب العايب، باحث تونسيّ في مجال الجغرافيا الاجتماعيّة والسّياسيّة، يعمل بمركز الدّراسات الاجتماعيّة بالجامعة الأمريكيّة بالقاهرة، ويشرف على بحث حول موضوع الهامشيّات. كان لنا معه هذا الحوار الذي ننشره ضمن ملفّنا الحالي.
ما هو تعريفك للهامشيّة وللحدّ الفاصل بينها وبين "المركز"؟
هناك التباس كبير في المفهوم الذي تعبّر عنه كلمة "الهامشيّة"، لأنّه مفهوم معرّف بصفات مختلفة طبقا للمعارف المختلفة المهتمة به، وطبقا للانتماء الشّخصيّ لمن يعرّفه أو للذّات العارفة. هناك تعريفات أساسيّة متّفق عليها، وهي تكاد تكون تعريفات لغويّة معجميّة. أين يوجد الهامش؟ يوجد خارج المركز، فمقابل الهامش هناك المركز. ففكرة الهامش بلا مركز لا معنى لها، أي أنّ المهمّش لا يمكن أن يكون مهمّشا في حدّ ذاته، بل بالنّسبة إلى حالة أو وضع مركزيّ. يمكن أن نتحدّث عن قرية أو منطقة أو بلد مهمّش مثلا. ويمكن أن نتحدّث عن فئات مهمّشة في مكان محدّد. وتهميش المكان قد يرتبط بتهميش فئات اجتماعيّة، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى الأحياء أو الشّوارع الفقيرة، أو الشّوارع التي نجد فيها أنشطة يرفضها المجتمع.
وفي هذا الصّدد يمكن أن نأخذ مثالا معروفا اشتغل عليه بعض الكتّاب العرب مثل المؤرّخ التّونسيّ عبد الحميد الأرقش : الشّوارع التي توجد فيها أنشطة تتعلّق بالجنس تتحوّل إلى شوارع منبوذة، وإذن مهمّشة، لأنّ الممارسة غير مقبولة. ليست هذه الشّوارع أفقر من غيرها، بل إنّ الممارسة فيها غير "عاديّة". إذن هناك حدّان فاصلان بين المهمّش وغير المهمّش : حدّ فاصل جغرافيّ مكانيّ، وحدّ فاصل آخر يعرّف معياريّا. إذا قررّ المجتمع معايير معيّنة، فإنّ كلّ من لا يطبّقها يوصمونstigmatisation بأنّ ممارساتهم غير عاديّة.
وهناك حدّ فاصل ثالث يرتبط بالأصل، الأصل الفضائيّ أو القبليّ أو الدّينيّ أو الإثنيّ… المثال الأكثر شهرة هو حالة "المنبوذين" في الهند. هذه الهامشيّة لا تتعلّق في حدّ ذاتها بالفقر أو الغنى، لكنّها قد تكون منتجة لفقر جماعيّ. أحد الرّؤساء السّابقين في الهند مثلا كان ينتمي إلى صنف المنبوذين. مثال هذا الرّئيس الهنديّ ومثال الرّئيس الأمريكيّ أوباما، يبيّنان أنّ التّهميش الجماعيّ المرتبط بعدم الوصول إلى الموارد لا يستثني وصول بعض الأفراد من المجموعات المهمّشة إلى وضعيّات مميّزة، رغم أنّ هؤلاء الأفراد ينحدرون من المجموعات المهمّشة. فالهامشيّة يمكن أن توفّر لبعض الأفراد فرص نجاح قد لا تتحقّق لهم خارج هذه المجموعة المهمّشة. وهذا ما يجعل المفهوم أكثر تعقّدا.
الحدّ الفاصل الرّابع هو التّهميش على أساس اجتماعيّ اقتصاديّ. وهذا الحدّ مرتبط مباشرة بوصول أو عدم وصول الأفراد أو المجموعات إلى الموارد الاقتصاديّة، وهنا تظهر فئات العاطلين عن العمل، وكلّ من لا يصلون إلى الموارد : أي التّعليم والصّحّة والسّكن، والأرض للفلاّحين ومياه الشّرب إلخ. وهذه هي الفئة الهامشيّة الوحيدة التي يمكن إخضاعها إلى مقولة الكمّ، وقيسها، مع هامش خطإ محدود نسبيّا.
ألا تخضع فئات مهمّشة أخرى إلى القياس، كالعاملات الجنسيّات مثلا؟
لا، لحسن الحظّ. لا يمكن أن نحصي الأشخاص الذّكور أو الإناث الذين يتعاطون ممارسات يمكن نعتبرها عادة داخلة في باب "البغاء". لا سيّما أن النّساء اللاتي يتعاطين هذا العمل هنّ وحدهنّ من يعتبرن عاملات جنسيّات. يوجد رجال يتعاطون هذه الممارسة، لكن كلمة "مومس" لا تنطبق إلا على النّساء. عندما تتعاطى امرأة البغاء، فإنّ "الشّرف" الشّخصيّ أو العائليّ يؤذى، وعندما يتعاطى الرّجل البغاء، فإن الفكرة تعني انهيار المجتمع بأكمله حسب التّصوّر الّسائد. وإذا وسّعنا من مفهوم البغاء، فقد نفاجأ بأنّ الرّجال أكثر تعاطيا له. يمكن مثلا للرّجل أن يمارس الجنس مع امرأة من أجل تحقيق مصلحة. لكنّ هذا الرّجل لا يعتبر "مومسا"، بل "شاطرا" (حاذقا). أمّا المرأة التي تفعل هذا فقد تعدّ مومسا. وهنا نضع أيدينا على الحدّ بين المهمّش وغير المهمّش : إنّه المعيار الأخلاقيّ.
هل ترى أنّ النّزعة الذّكوريّة معطى أساسيّ في شتّى أنواع الهامشيّات؟
بكلّ بساطة، المرأة من حيث هي امرأة، مهمّشة، مع تفاوت في الدّرجة. عندما يوجد رجل مهمّش، فإنّ زوجته غالبا ما تكون أكثر هامشيّة منه. ومرّة أخرى، من يعرّف المعيار والحدّ، أي من يميّز بين المهمّش وغير المهمّش : المجتمع أو الخبير، أو العالم أو المثقّف، أو الذي يملك السّلطة أو سلطة المعرفة. نتحدّث عن حدّ، وعن فضاء محدّد وعتبات، ونسب بطالة، ونسبة إدمان… وهذا هو عمل الخبير. إذن بصفة لاإرادية بالتّأكيد، الخبير هو الذي يقوم بتقسيم المجموعات إلى هامشية وغير هامشيّة. من حيث ممارسة السّلطة فإنّ تعريفنا للعتبة، يتمّ لأسباب سياسيّة مفروضة. مثال ذلك : عدم احتساب النّساء في نسب البطالة، فإن هذا يحدّ من نسبة العاطلين. الخبير هو الذي يصنع الموضوع والسّياسيّ يستعمل منهجه العلميّ على طريقته. عدم احتساب النّساء في البطالة يظهر نتائج جيّدة. فالهامشيّة دائما نسبيّة، لأنّها ترتبط بمن يعرّفها. وتبعا لذلك فإنّ ما يخضع إلى القياس هو نفسه غير دقيق. لأنّ كلّ واحد سيختار مؤشّرات معيّنة للحديث عن الظّواهر. بعد ذلك إذا أردنا التّعمّق في مفهوم الهامشية نجد من نعتبرهم مهمّشين لأنّ الخبراء اعتبروهم كذلك، أو لأنّ المجتمعات اعتبرتهم كذلك، طبقا لتعريف المعيار والقاعدة.
ما مدى وجاهة التّمييز بين الهامشيّات الإراديّة وغير الإراديّة؟
قد أعرّف نفسي باعتباري مهمّشا عندما أقول لك إنّني فقير. إنّ تعريفي الخاصّ للفقر هو الذي أضعه عتبة للفقر. ولكن يمكن أن أقول لك إنّني مهمّش في مجموعتي أو مجتمعي لأنّي كافر أو لأنني مثليّ. في حالة الفقر، أقدم نفسي مهمّشا لطلب شيء، أو عمل، أو مساعدة. في الحالة الثّانية، أقدّم نفسي مهمّشا لأتبنّى اختيارا شخصيّا. تبنّي الهامشيّة كخيار شخصيّ يجعلني أضع نفسي خارج المجتمع من تلقاء نفسي. خرجت على القاعدة، أو المعيار. أرفض معياركم. أرفض ممارساتكم الجنسيّة التّقليديّة، أرفض ممارستكم في اللّباس، لست مثلكم وأتحمّل مسؤوليّتي. لا أختار أن أكون مهمّشا لكنّني أختار طريقة حياتي، وأعي بانّ هذه الخيارات تضعني في وضعيّة مهمّش، وأتحمّل تبعات هذا.
هذه الهامشيّة بالذّات يمكن أن تكون منتجة، بل هي فعلا منتجة. هي التي تجعل المعايير تتحرّك وتتغيّر. وعندي مثال دقيق : امرأة تونسيّة يفترض أنّها مسلمة، تتزوّج غير مسلم. منذ خمسين عاما، مثل هذه الفتاة كانت تتعرّض إلى إقصاء حقيقيّ تتفاوت درجاته بحسب الطّبقات. اليوم هذا الأمر ليس مقبولا، لكنّ التّهميش أصبح أقلّ خطورة. الحديث عن المواضيع الممنوعة بصفة عامّة يمكن أن يطوّر المعايير. أنا أقبل اليوم من أبنائي ما لم يكن والداي يقبلانه منّي، لأننّي وضعت نفسي في وضعيّة هامشيّة بالنّسبة إلى معايير والديّ. وهذا يبيّن ديناميكيّة الهامشيّة.
المهمّ في هذا النّقاش هو التّهميش أو التّهمش وليس الهامشيّة نفسها، أي المسارات المفروضة أو الإراديّة. وموقفنا يجب أن يبنى على هذا الأساس. كفرد أو كمواطن أو فاعل أتصرّف مع من يتبنّون هامشيتهم، أو يهمّشون عن اختيار، عندما أبتدئ بقبول اختيارهم، فلا أحكم عليه، ولا أدينه.
لكنّ كلّ شخص منّا يمكن أن يختار الهامشيّة في نقطة، فيرفض القاعدة والمعيار، ويقبل الوصم، لأنّ الأمر يتعلّق باختيار. وكلّ واحد منّا لا بدّ أن يختار الهامشيّة على الأقلّ في لحظة من لحظات حياته، وفي نقطة معيّنة. من لم يشعل سيجارة في شهر رمضان في الشّارع أو لم يفكّر في ذلك، مثلا؟
دور الباحث انطلاقا من العلوم الاجتماعيّة، حسب رأيي، يجب أن يقتصر على معرفة المعايير وفهم مسارات التّهميش، وليس إنتاج المعايير. ولا يتعلّق الأمر أيضا بإنتاج التهميش.
هل يتعارض الموقف الحياديّ للباحث مع مفهوم "المعرفة الملتزمة" عند بورديو؟
التزامي بصفتي جغرافيّا يجب أن لا يتمثّل في الشّفقة على هذه المجموعة أو الأخرى، بل يجب أن يتمثّل في تكسير مسارات التّهميش، ولا يمكن أن أكسرها إذا لم أكتشفها. لا بدّ من الفهم. الفقر يتمّ إنتاجه، ككلّ المنتوجات، وما يهمّني ليس الفقر في حدّ ذاته، بل كيفيّات إنتاجه. وهنا تظهر الحاجة إلى فهم آلية التهميش، وهي تلتقي بالمعرفة الملتزمة. الخبراء يميلون إلى تصنيف المجتمع إلى مجموعات منها المهمّشون، لأنّ ما يهمّهم هو مردوديّة التّعريف. يريدون مثلا أن يعرفوا المومسات وعددهنّ حتّى توزّع عليهم السّلطات أو الجمعيّات وسائل الحماية الصّحّية. وتعريفات الخبراء للفقر قد تكون شكلانيّة أو غير دقيقة. فإذا كان الفقير هو من يقلّ دخله عن دولارين في اليوم، فإنّ هذين الدّولارين ليست لهما نفس القيمة بين إريتريا و واشنطن.
كيف تعرّف الخبير، وكيف تميّز بينه وبين الباحث؟
الخبير ينتج تعريفات وعتبات بهدف التّدخّل العاجل، سواء كان هذا التّدخّل سلبيّا أم إيجابيّا. أمّا هدف العلوم الاجتماعية فهو ليس التّدخّل المباشر، بل التّدخّل عبر الدّيمومة، مع محاولة فهم المسارات التي أوصلت إلى النّتائج. في غالب الأحيان هناك تكامل بين الخبير والباحث. الخبير لا بدّ أن يتّخذ قرارا لتعريف عتبة الفقر وإلا فإنه لن يستطيع العمل. لكنّ هذا القرار لا يدخل في باب العلوم الاجتماعيّة، أو في باب المعرفة الملتزمة.
كيف يتمّ إقصاء المهمّشين، وهل يمكن تصنيفهم على أساس طرق الإقصاء؟
هناك هامشّيات مدمّرة مرتبطة بشكل من أشكال الإقصاء، وهناك هامشيّات يمكن أن تكون منتجة في اتّجاه تغيير المعايير.
الفقر من أكثر الهامشيّات خطورة. إنّه يتمثّل في منع شريحة من المجتمع من الوصول إلى الموارد أو إلى موارد حياتيّة معيّنة. وهذا التّهميش متعمّد.
أوّل صيغة من صيغ الإقصاء هو الوصمة. إنّها تنبع من حكم القيمة المسلّط على المهمّشين : لا آكل مع فلان لأنّه فقير، ابنتي لا تتزوّج فلان لأنّه أسود، أو لأنّه يهوديّ، ابني لا يتزوّج من مومس… نحن إذن إزاء حكم يؤدّي إلى إقصاء أفراد لأنهم جزء من مجموعات معيّنة، ولأنّ هذه الفئات تعتبر قاصرة عن الرّقيّ إلى مستوى المسلّط للحكم المعياريّ وللوصمة. وهناك طبعا اختزال للفرد في الجماعيّ. فمجموعة السّود تمثّل حسب هذا التّصوّر كتلة واحدة. يمكن أن يكون أوباما رئيسا، لكنّه أسود. وهنا يمكن أن نتحدّث عن عنصريّة، أو طبقية.
الممارسة الثّانية المتعلّقة بالإقصاء هي مسارات التّهميش. ومن المهمّ بالنّسبة إلى الفاعلين معرفة كيفيّة اشتغال مسارات التهميش : كيف نصبح فقراء، أو مدمنين، أو بلا مسكن قارّ، أو عاملين جنسيين، أو امرأة عزباء بلا سكن قارّ، وكيف يمكن أن ندخل السّجن..؟
هل يمكن أن تقدّم لنا بسطة عن الأبحاث المنجزة في موضوع التّهميش في العالم العربيّ : هل هي نظريّة أم ميدانيّة؟ ما مجالاتها؟ هل ترتبط بالأبحاث الاجتماعيّة النّظريّة أم بالتّنمية؟
الهامشية الاجتماعيّة والاقتصاديّة هي التي تلقى اهتماما في العالم العربيّ، لعدّة أسباب. أقصد بذلك الأعمال التي تتناول الفقر خاصّة. (العمل، البطالة، والوصول إلى الموارد بشكل عامّ). نحن نحتاج طبعا إلى هذه الدّراسات، لكن المشكل الأول هو أنّ أغلب هذه الدّراسات يكتفي بوصف وضعيّة هذه الفئات أو تلك. ولا يهتمّ بالمسارات المتسبّبة في التّهميش. وهذه الأبحاث تلتبس بتقارير أو دراسات الخبراء إلى حدّ أننا لا نعرف أحيانا من هو الخبير ومن هو الباحث، وهذا مرتبط بتمويل الأبحاث. نحن في بلدان لا تهتمّ بالبحث الاجتماعيّ، فمثل هذه الأبحاث تخيف الأنظمة. عندما نفهم كيف يتمّ إنتاج مسارات الفقر أو التهميش فنحن نفكّك الخطاب الرّسميّ ونكذّبه، وهذا محرّم. لا يحقّ لنا معرفة مسارات التهميش في مجتمعاتنا. لأنه يوجد دائما مسؤول في مسارات التّهميش وهذا المسؤول يجب أن لا يحدّد.
هناك هيئات دوليّة هي التي تموّل الأبحاث الاجتماعيّة في الغالب. هذه الهيئات هي التي توفّر، مشكورة، تمويلا لأبحاث حقيقية، لكنّ محاولاتها تبقى محدودة. لا يمكن أن نموّل أبحاثا مستقلة بتمويل خارجيّ فقط، ولا أقول هذا لأنني أرفض هذا التّمويل الأجنبي في حدّ ذاته، بل لأنّ الأبحاث الاجتماعيّة يجب أن تكون أولويّة داخليّة في كلّ دولة.
المشكل الثّاني يعود إلى المحرّمات. فهناك دراسات لا يمكن القيام بها ولا يمكن نشرها في البلدان العربيّة. سرعان ما يتّهمونك بتشويه صورة البلد أو إدخال أفكار مدمّرة أو نشر أفكار تمسّ بالثّوابت وبالمعلوم من الدّين بالضّرورة. أحسن مثال في هذا الموضوع الأبحاث التي تريد دراسة وضع السّود في بعض البلدان العربيّة .
بين محرّم الدّولة أو قلّة الإمكانيات يبقى البحث الاجتماعيّ مهمّشا. أو يقوم به باحثون أجانب، وهذا جيّد، لحسن الحظ. هؤلاء لهم إمكانيات وليست لهم محرّمات. لكن هذه الأبحاث غير منشورة بالعربية عادة. فالمنظمات الدولية تشترط في الغالب استعمال لغة غير العربية للنشر. ونشر كتاب في مثل هذه المواضيع أيسر في أي دولة أوروبية منه في أي دولة عربية.
والبحث الذي تشرف عليه، هل يمكن لك تقديمه؟
فكرة هذا البحث بدأناه بندوة أقيمت في مصر في سبتمبر 2009. هذا البحث يحاول قلب الأولويّات : ما نريده هو فهم كيفيّة اشتغال مسارات التهميش في مصر وفي بلدان أخرى عربية وغير عربية. وسيتناول البحث كلّ أنواع الهامشيّة، مع تركيز على الهامشيات الاجتماعية والاقتصادية، وكأننا هنا لا نخرج على القاعدة. والهدف الأساسيّ هو أن نفهم التّهميش لا الهامشيّة. الباحثون عرب وغير عرب، وسيظهر كتاب جماعي يشمل هذه الأبحاث بالعربية والإنكليزية في أواخر سنة 2010 أو بداية 2011.
هل هناك فارق بين الهامشيّات في العالم الغربيّ والهامشيّات في المجتمعات العربيّة؟
ظواهر الإقصاء ورفض الحقوق الفرديّة والاقتصاديّة والسيّاسيّة أكثر فداحة في بلداننا. البلدان الغربيّة مثلا تعترف بالأقلّيات الدّينيّة، وفي بلداننا هناك تهميش لها بل وعدم اعتراف بوجودها أصلا، كما هو الحال بالنّسبة إلى البهائيين في دول من بينها مصر. الحرّيات المعترف بها تفضي إلى تغيير المعايير. فلا يمكن أن نقول إنّ المرأة في فرنسا لا يحقّ لها إقامة علاقات جنسيّة قبل الزّواج، لأنّ العودة إلى الوراء غير ممكنة. هناك مهمشات فعلن هذا سابقا، ثمّ أنتجت هذه الهامشيّة معيارا جديدا. بل إنّ الآية انقلبت في أوروبّا، وأصبحت الفتاة التي تقول إنّها ممتنعة عن العلاقات الجنسية عرضة للسّخرية.
والفارق يعود أيضا إلى اختلاف المعايير نفسها. فالحرّيّات الجنسيّة والدّينيّة منظور إليها إيجابيّا في الدّول الغربيّة، والعنصريّة التي توجد اليوم في هذه الدّول مختلفة إلى حدّ ما عن عنصريّة "لا أزوّج ابنتي أسود". العنصريّة الفاعلة اليوم في هذه الدّول هي التي قد تمنع من الوصول إلى المصادر، والدّليل على ذلك أبناء الهجرة في الضّواحي الأوروبّيّة.

mercredi 6 avril 2011

بحوث الجامعة


علم اجتماع البيئة أحد فروع علم الاجتماع التي برزت وتقدّمت خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو يهتم بالعلاقة بين المجتمع والبيئة المحيطة به، وتأثير كل منها في الآخر. ومن المعروف أنّ التغيُّرات البيئية في العقدين الماضيين أصبحت تشكِّل همّاً عالمياً، لكثرة الأخطار المتعلّقة بها على صحة الإنسان ومصادر عيشه، ومستقبله، وذلك بسبب الإفراط في استعمال الآلات، والاستهلاك الجائر لموارد الطبيعة، ولهذا تزايد البحث عن المصادر النظيفة للطاقة، والنظافة صفة إيجابية لكلِّ من تلحق به، فمن أفضل صفات الإنسان أن يقال عنه إنّه نظيف، والنظافة هنا لا تقتصر على نظافة اللباس، وإنّما تشمل - وهذا هو الأهم - نظافة اللسان، والسلوك، والنوايا. والطاقة النظيفة تعبير يُقصَد به مصادر الطاقة التي لا تصدر عند احتراقها أيّ مُخلّفات أو غازات سامة أو مضرّة بالبيئة والإنسان والطبيعة، ويشمل المصادر البديلة للطاقة الحفرية الناضبة التي تُستخرج من باطن الأرض مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي .. فهذه المصادر تحدث لدى احتراقها غازات ضارة كغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر السبب الرئيس في ظاهرة الاحتباس الحراري التي تسبّبت في السنوات القليلة الماضية في تقلُّبات شديدة في الطقس، وأدّت على الأرجح إلى كوارث طبيعية كبيرة منها الأعاصير والفيضانات وموجات الجفاف، وغيرها. وتنجم هذه الظاهرة الخطيرة عن تجمُّع كميات هائلة من الغازات المنطلقة من عمليات الاحتراق ومعظمها يتكوّن من غاز ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي يشكِّل طبقة تلعب دور غطاء كثيف يسمح بمرور أشعة الشمس إلى الأرض ولكنه يحول دون انعكاس الحرارة الناجمة عنها إلى الفضاء الخارجي، مما يسبب انحباساً في الحرارة وزياة في معدَّل درجاتها في الطبقات الجوية القريبة.

وتقدَّر الكميات التي تنفثها عمليات الاحتراق من عوادم السيارات ومداخن المصانع وغيرها من غاز ثاني أكسيد الكربون من مختلف أصقاع العالم بثلاثين مليار طن في السنة، ويأتي معظمها من الدول الصناعية المتطوّرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تنفث قرابة الثلث من هذه الكمية الهائلة، ورغم ذلك ترفض التوقيع على اتفاقية كيوتو. وهذه المصادر وخاصة الفحم الحجري تطلق لدى احتراقها أيضاً غازات سامة تلحق أضراراً شديدة بصحة الإنسان، والحيوان والنبات كأكسيد الكبريت والنيتروجين وأول أكسيد الكربون.
أمّا مصادر الطاقة النظيفة أو البديلة الرئيسية فأهمها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الهيدروجين وطاقة المياه وطاقة الحرارة الباطنية وغيرها .. ومن مميّزات وخصائص هذه المصادر أنّها أولاً متجددة، وثانياً لا يُخِل استخدامها بالتوازن البيئي، وثالثاً لا ينطلق من عملية احتراقها غازات ضارة أو مخلّفات ملوّثة.
وهناك مصادر مهم للطاقة المتجددة التي لا تنضب، ونعني به الطاقة النووية، إلاّ أنّ هذا المصدر مثير للجدل وللخلافات وتتضارب وجهات النظر حوله بصورة كبيرة، فعلى الرغم من أنّ الطاقة النووية لا تصدر انبعاثاً للغازات العادمة كثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات الملوثة للجو، إلاّ أنّ هناك أخطاراً أخرى كبيرة وخطيرة ينطوي عليها هذا المصدر، وتكمن تلك الأخطار أولاً في احتمال وقوع حوادث أو حرائق تسفر عن تسرُّبات إشعاعية خطيرة قد تعاني منها عدّة أجيال كما حدث في مفاعل تشرنوبيل الأوكراني عام 1986م .. وثانياً هناك مخاوف من تسرُّبات ناجمة عن حوادث صغيرة يومية تكبر أو تصغر، الأمر الذي يلوِّث الهواء وكذلك التربة والمياه في المناطق المحيطة بالمفاعلات النووية على أقل تقدير .. وهناك الكثير من الدراسات التي أثبتت زيادة نسبة الإصابات بسرطان الدم (اللوكيميا) بين الأطفال في مناطق مختلفة قريبة من عدد من المفاعلات لا سيما في شمال ألمانيا .. والمشكلة الرئيسة كما نعلم، تكمن في أنّ الإنسان لا يشعر بالإشعاعات، فلا رائحة ولا أثر لها ينبِّه عن وجودها على الرغم من خطرها المدمر على الصحة. والنقطة الثالثة هي مشكلة النفايات النووية وخزنها ونقلها وما تسبِّبه من إشعاعات وتسرُّبات في البيئة المحيطة.
ومما لا شكّ فيه أنّ الشمس تعتبر أبرز مصادر الطاقة النظيفة، فمن أشعتها يمكن توليد التيار الكهربائي، وتنتج الحرارة عبر تخزينها فيما يُعرف بالمجمّعات الشمسية .. وهذه الطاقة لا تلوِّث البيئة مطلقاً كما أنّها قابلة للاستخدام الطويل الأمد .. وتعتبر ألمانيا في طليعة الدول التي تنتج أنواع الطاقة الشمسية، فقد أُقيم فيها مركزان من أكبر مراكز إنتاج الخلايا الشمسية في العالم، الأول في منطقة (التسناو) في بافاريا والثاني في مدينة (غيلزن كيرشن) في غرب ألمانيا وهو أكبر مصنع للألواع الشمسية في أوروبا .. ويمكن لهذين المركزين أن يغطيا حوالي ثلث الطلبات العالمية من ألواح الطاقة الشمسية. وقد وصل إنتاج الطاقة الشمسية في ألمانيا إلى أكثر من خمسمائة ميغاوات. أمّا أحدث تقنيات الطاقة النظيفة فهي تقنية خلايا الوقود، وهي تشبه بطارية
جافة يتم فيها تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية عبر تفاعل كيميائي بين وقود معيَّن كالهيدروجين أو الغاز الطبيعي أو الميثانول والأوكسجين .. وفي الحقيقة فإنّ هذه العملية ما هي إلاّ عملية حرق بكلِّ معنى الكلمة، إلاّ أنّها تُعتبر من عمليات الحرق البارد الذي لا ينجم عنه حرارة تذكر، رغم أنّه يولد الطاقة الكهربائية التي يمكن استعمالها للتدفئة أو تسيير محرِّكات السيارات أو تشغيل أجهزة كهربائية مختلفة ..
ومميّزات هذه التقنية الحديثة عديدة .. الأولى أنّها لا يمكن أن تنتهي، ويمكن أن تعمل باستمرار وإلى ما لا نهاية، والثانية أنّ درجة فعالياتها كبيرة جداً بالمقارنة مع تقنيات الاحتراق العادية التي يستخدم فيها الفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي، ويمكن أن تصل إلى 65% أي أنّ أكثر من ثلثي الوقود الأساسي المستخدم يتحوّل إلى طاقة أي أكثر من ضعف النسبة لدى أنواع الوقود الأخرى .. والميزة الأساسية الثالثة هي الملاءمة الشديدة للبيئة، إذ لا تصدر هذه التقنية أي غازات ضارة، أو أي تلوّث للهواء الجوي، كما تمتاز أيضاً بسهولة صيانتها وبساطتها ومحدودية مخاطر اندلاع حريق أو حدوث أعطال وغير ذلك من الحوادث الخطرة.
وقد طوّر بحّاثة ومهندسون مؤخراً تقنية جديدة تعمل وفق مبدأ الخلايا الوقودية وتحول الغاز الطبيعي إلى تيار كهربائي، ويمكن استخدامه في كلِّ مصنع أو مؤسسة كبيرة كانت أو صغيرة، وفي كلِّ بيت أيضاً. وجهاز التدفئة الجديد يمكن أن يوزِّع الحرارة على بيت مكوّن من طابقين على الأقل، وحجمه يماثل حجم الثلاجة المنزلية المتوسطة، وفي وسط الجهاز حاوية في حجم بطارية السيارة، وهي مفاعل خلايا الوقود الجديد الذي يمثِّل قلب الجهاز كله، حيث يحتوي على أقراص رقيقة من الكربون ورقائق خاصة من اللدائن المخلفة وتم توصيلها إلى مجموعة من الخلايا التي تستقطب الإلكترونات وتولد الطاقة الحرارية والتيار الكهربائي في الوقت ذاته نتيجة للتفاعل الكيميائي بين الهيدرجين الموجود في الغاز الطبيعي والأوكسجين ..
والخبراء واثقون من نجاح هذه التقنية وميزاتها الكبيرة، وقد تصبح في المستقبل المنظور موجودة في قبو كلِّ بيت أو عمارة، حيث تضمن التدفئة والإمداد بالتيار الكهربائي. وهم يؤكدون أنّ مثل هذه التقنية ستحل الكثير من المشكلات بالنسبة لدول العالم الثالث والدول الفقيرة التي لا تتوفّر فيها شبكة متكاملة وشاملة لإمدادات الطاقة .. مما يسهم في حلِّ أزمة الطاقة المزمنة التي تعاني منها الدول الفقيرة وتغطية الاحتياجات المتزايدة، باستمرار لدى الدول النامية الصاعدة والتي لا يتوفّر فيها على الأغلب شبكة مركزية لإنتاج الطاقة وتوزيها، وحل ذلك يتمثّل أساساً في وحدات الطاقة غير المركزية، وهنا فإنّ تقنية خلايا الوقود تتمتّع بإمكانيات هائلة لحل مشكلات الطاقة التي تواجهها هذه الدول.
ورغم توفُّر النفط في المملكة العربية السعودية، فقد تنبّه صنّاع القرار فيها إلى أهمية الطاقة النظيفة، وأنّ النفط مصدر لا يتجدّد، وسوف ينضب في يوم من الأيام، ولذلك تم الاهتمام بالطاقة الشمسية، وبالتجارب والدراسات المتعلقة بها، فأنشئت قرية كاملة بقرب مدينة العيينة عُرفت ب(القرية الشمسية) تجري فيها الأبحاث والتجارب، وثبت أنّ المملكة، بسبب موقعها الجغرافي، يمكن أن تكون من أهم المناطق لتوليد الطاقة الشمسية، وإذا تطوّر هذا المصدر بصورة تجارية، رخيصة، فإنّه سوف يفيد، ليس فقط في توليد الكهرباء، وإنّما سيفيد في تحلية المياه، وفي المواصلات، وقد يأتي يوم نزرع فيه مساحات شاسعة من الصحراء بواسطة مياه البحر المحلاّة الرخيصة.
(*)
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة (الاجتماعية)