mercredi 6 avril 2011

بحوث الجامعة


علم اجتماع البيئة أحد فروع علم الاجتماع التي برزت وتقدّمت خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو يهتم بالعلاقة بين المجتمع والبيئة المحيطة به، وتأثير كل منها في الآخر. ومن المعروف أنّ التغيُّرات البيئية في العقدين الماضيين أصبحت تشكِّل همّاً عالمياً، لكثرة الأخطار المتعلّقة بها على صحة الإنسان ومصادر عيشه، ومستقبله، وذلك بسبب الإفراط في استعمال الآلات، والاستهلاك الجائر لموارد الطبيعة، ولهذا تزايد البحث عن المصادر النظيفة للطاقة، والنظافة صفة إيجابية لكلِّ من تلحق به، فمن أفضل صفات الإنسان أن يقال عنه إنّه نظيف، والنظافة هنا لا تقتصر على نظافة اللباس، وإنّما تشمل - وهذا هو الأهم - نظافة اللسان، والسلوك، والنوايا. والطاقة النظيفة تعبير يُقصَد به مصادر الطاقة التي لا تصدر عند احتراقها أيّ مُخلّفات أو غازات سامة أو مضرّة بالبيئة والإنسان والطبيعة، ويشمل المصادر البديلة للطاقة الحفرية الناضبة التي تُستخرج من باطن الأرض مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي .. فهذه المصادر تحدث لدى احتراقها غازات ضارة كغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعتبر السبب الرئيس في ظاهرة الاحتباس الحراري التي تسبّبت في السنوات القليلة الماضية في تقلُّبات شديدة في الطقس، وأدّت على الأرجح إلى كوارث طبيعية كبيرة منها الأعاصير والفيضانات وموجات الجفاف، وغيرها. وتنجم هذه الظاهرة الخطيرة عن تجمُّع كميات هائلة من الغازات المنطلقة من عمليات الاحتراق ومعظمها يتكوّن من غاز ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي يشكِّل طبقة تلعب دور غطاء كثيف يسمح بمرور أشعة الشمس إلى الأرض ولكنه يحول دون انعكاس الحرارة الناجمة عنها إلى الفضاء الخارجي، مما يسبب انحباساً في الحرارة وزياة في معدَّل درجاتها في الطبقات الجوية القريبة.

وتقدَّر الكميات التي تنفثها عمليات الاحتراق من عوادم السيارات ومداخن المصانع وغيرها من غاز ثاني أكسيد الكربون من مختلف أصقاع العالم بثلاثين مليار طن في السنة، ويأتي معظمها من الدول الصناعية المتطوّرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تنفث قرابة الثلث من هذه الكمية الهائلة، ورغم ذلك ترفض التوقيع على اتفاقية كيوتو. وهذه المصادر وخاصة الفحم الحجري تطلق لدى احتراقها أيضاً غازات سامة تلحق أضراراً شديدة بصحة الإنسان، والحيوان والنبات كأكسيد الكبريت والنيتروجين وأول أكسيد الكربون.
أمّا مصادر الطاقة النظيفة أو البديلة الرئيسية فأهمها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الهيدروجين وطاقة المياه وطاقة الحرارة الباطنية وغيرها .. ومن مميّزات وخصائص هذه المصادر أنّها أولاً متجددة، وثانياً لا يُخِل استخدامها بالتوازن البيئي، وثالثاً لا ينطلق من عملية احتراقها غازات ضارة أو مخلّفات ملوّثة.
وهناك مصادر مهم للطاقة المتجددة التي لا تنضب، ونعني به الطاقة النووية، إلاّ أنّ هذا المصدر مثير للجدل وللخلافات وتتضارب وجهات النظر حوله بصورة كبيرة، فعلى الرغم من أنّ الطاقة النووية لا تصدر انبعاثاً للغازات العادمة كثاني أكسيد الكربون وغيرها من الغازات الملوثة للجو، إلاّ أنّ هناك أخطاراً أخرى كبيرة وخطيرة ينطوي عليها هذا المصدر، وتكمن تلك الأخطار أولاً في احتمال وقوع حوادث أو حرائق تسفر عن تسرُّبات إشعاعية خطيرة قد تعاني منها عدّة أجيال كما حدث في مفاعل تشرنوبيل الأوكراني عام 1986م .. وثانياً هناك مخاوف من تسرُّبات ناجمة عن حوادث صغيرة يومية تكبر أو تصغر، الأمر الذي يلوِّث الهواء وكذلك التربة والمياه في المناطق المحيطة بالمفاعلات النووية على أقل تقدير .. وهناك الكثير من الدراسات التي أثبتت زيادة نسبة الإصابات بسرطان الدم (اللوكيميا) بين الأطفال في مناطق مختلفة قريبة من عدد من المفاعلات لا سيما في شمال ألمانيا .. والمشكلة الرئيسة كما نعلم، تكمن في أنّ الإنسان لا يشعر بالإشعاعات، فلا رائحة ولا أثر لها ينبِّه عن وجودها على الرغم من خطرها المدمر على الصحة. والنقطة الثالثة هي مشكلة النفايات النووية وخزنها ونقلها وما تسبِّبه من إشعاعات وتسرُّبات في البيئة المحيطة.
ومما لا شكّ فيه أنّ الشمس تعتبر أبرز مصادر الطاقة النظيفة، فمن أشعتها يمكن توليد التيار الكهربائي، وتنتج الحرارة عبر تخزينها فيما يُعرف بالمجمّعات الشمسية .. وهذه الطاقة لا تلوِّث البيئة مطلقاً كما أنّها قابلة للاستخدام الطويل الأمد .. وتعتبر ألمانيا في طليعة الدول التي تنتج أنواع الطاقة الشمسية، فقد أُقيم فيها مركزان من أكبر مراكز إنتاج الخلايا الشمسية في العالم، الأول في منطقة (التسناو) في بافاريا والثاني في مدينة (غيلزن كيرشن) في غرب ألمانيا وهو أكبر مصنع للألواع الشمسية في أوروبا .. ويمكن لهذين المركزين أن يغطيا حوالي ثلث الطلبات العالمية من ألواح الطاقة الشمسية. وقد وصل إنتاج الطاقة الشمسية في ألمانيا إلى أكثر من خمسمائة ميغاوات. أمّا أحدث تقنيات الطاقة النظيفة فهي تقنية خلايا الوقود، وهي تشبه بطارية
جافة يتم فيها تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية عبر تفاعل كيميائي بين وقود معيَّن كالهيدروجين أو الغاز الطبيعي أو الميثانول والأوكسجين .. وفي الحقيقة فإنّ هذه العملية ما هي إلاّ عملية حرق بكلِّ معنى الكلمة، إلاّ أنّها تُعتبر من عمليات الحرق البارد الذي لا ينجم عنه حرارة تذكر، رغم أنّه يولد الطاقة الكهربائية التي يمكن استعمالها للتدفئة أو تسيير محرِّكات السيارات أو تشغيل أجهزة كهربائية مختلفة ..
ومميّزات هذه التقنية الحديثة عديدة .. الأولى أنّها لا يمكن أن تنتهي، ويمكن أن تعمل باستمرار وإلى ما لا نهاية، والثانية أنّ درجة فعالياتها كبيرة جداً بالمقارنة مع تقنيات الاحتراق العادية التي يستخدم فيها الفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي، ويمكن أن تصل إلى 65% أي أنّ أكثر من ثلثي الوقود الأساسي المستخدم يتحوّل إلى طاقة أي أكثر من ضعف النسبة لدى أنواع الوقود الأخرى .. والميزة الأساسية الثالثة هي الملاءمة الشديدة للبيئة، إذ لا تصدر هذه التقنية أي غازات ضارة، أو أي تلوّث للهواء الجوي، كما تمتاز أيضاً بسهولة صيانتها وبساطتها ومحدودية مخاطر اندلاع حريق أو حدوث أعطال وغير ذلك من الحوادث الخطرة.
وقد طوّر بحّاثة ومهندسون مؤخراً تقنية جديدة تعمل وفق مبدأ الخلايا الوقودية وتحول الغاز الطبيعي إلى تيار كهربائي، ويمكن استخدامه في كلِّ مصنع أو مؤسسة كبيرة كانت أو صغيرة، وفي كلِّ بيت أيضاً. وجهاز التدفئة الجديد يمكن أن يوزِّع الحرارة على بيت مكوّن من طابقين على الأقل، وحجمه يماثل حجم الثلاجة المنزلية المتوسطة، وفي وسط الجهاز حاوية في حجم بطارية السيارة، وهي مفاعل خلايا الوقود الجديد الذي يمثِّل قلب الجهاز كله، حيث يحتوي على أقراص رقيقة من الكربون ورقائق خاصة من اللدائن المخلفة وتم توصيلها إلى مجموعة من الخلايا التي تستقطب الإلكترونات وتولد الطاقة الحرارية والتيار الكهربائي في الوقت ذاته نتيجة للتفاعل الكيميائي بين الهيدرجين الموجود في الغاز الطبيعي والأوكسجين ..
والخبراء واثقون من نجاح هذه التقنية وميزاتها الكبيرة، وقد تصبح في المستقبل المنظور موجودة في قبو كلِّ بيت أو عمارة، حيث تضمن التدفئة والإمداد بالتيار الكهربائي. وهم يؤكدون أنّ مثل هذه التقنية ستحل الكثير من المشكلات بالنسبة لدول العالم الثالث والدول الفقيرة التي لا تتوفّر فيها شبكة متكاملة وشاملة لإمدادات الطاقة .. مما يسهم في حلِّ أزمة الطاقة المزمنة التي تعاني منها الدول الفقيرة وتغطية الاحتياجات المتزايدة، باستمرار لدى الدول النامية الصاعدة والتي لا يتوفّر فيها على الأغلب شبكة مركزية لإنتاج الطاقة وتوزيها، وحل ذلك يتمثّل أساساً في وحدات الطاقة غير المركزية، وهنا فإنّ تقنية خلايا الوقود تتمتّع بإمكانيات هائلة لحل مشكلات الطاقة التي تواجهها هذه الدول.
ورغم توفُّر النفط في المملكة العربية السعودية، فقد تنبّه صنّاع القرار فيها إلى أهمية الطاقة النظيفة، وأنّ النفط مصدر لا يتجدّد، وسوف ينضب في يوم من الأيام، ولذلك تم الاهتمام بالطاقة الشمسية، وبالتجارب والدراسات المتعلقة بها، فأنشئت قرية كاملة بقرب مدينة العيينة عُرفت ب(القرية الشمسية) تجري فيها الأبحاث والتجارب، وثبت أنّ المملكة، بسبب موقعها الجغرافي، يمكن أن تكون من أهم المناطق لتوليد الطاقة الشمسية، وإذا تطوّر هذا المصدر بصورة تجارية، رخيصة، فإنّه سوف يفيد، ليس فقط في توليد الكهرباء، وإنّما سيفيد في تحلية المياه، وفي المواصلات، وقد يأتي يوم نزرع فيه مساحات شاسعة من الصحراء بواسطة مياه البحر المحلاّة الرخيصة.
(*)
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة (الاجتماعية)

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire